قالَ الرَبُّ يَسوع: « يا أبتِ، أَنَا وَهَبْتُ لَهُم كَلِمَتَكَ، فَأَبْغَضَهُمُ العَالَم، لأَنَّهُم لَيْسُوا مِنَ العَالَم، كَمَا أَنِّي لَسْتُ مِنَ العَالَم.
لا أَسْأَلُ أَنْ تَرْفَعَهُم مِنَ العَالَم، بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُم مِنَ الشِّرِّير.
هُمْ لَيْسُوا مِنَ العَالَم، كَمَا أَنِّي لَسْتُ مِنَ العَالَم.
قَدِّسْهُم في الحَقّ. كَلِمَتُكَ هِيَ الحَقّ.
كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلى العَالَم، أَنَا أَيْضًا أَرْسَلْتُهُم إِلى العَالَم.
وأَنَا أُقَدِّسُ ذَاتِي مِنْ أَجْلِهِم، لِيَكُونُوا هُم أَيْضًا مُقَدَّسِينَ في الحَقّ.
§ ٥ - ٦
لَا يَتَمَيَّزُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ عَنْ سَائِرِ ٱلْنَّاسِ، لَا بِبِلَادِهِمْ، وَلَا بِلُغَتِهِمْ، وَلَا بِلِبَاسِهِمْ. فَهُمْ لَا يَقْطُنُونَ مُدُنًا خَاصَّةً بِهِمْ، وَلَا يَنْطِقُونَ بِلَهْجَةٍ مُمَيَّزَةٍ، وَلَا غَرَابَةَ فِي نَمَطِ حَيَاتِهِمْ. لَمْ تَنْبَعِثْ عَقِيدَتُهُم مِنْ مُخَيِّلَةٍ مُتَحَرِّرَةٍ تَابِعَةٍ لِعَقْلِيَّاتٍ مُنْفَعِلَةٍ. فَهُمْ لَمْ يَتَبَنَّوْا، كَآخَرِينَ كَثِيرِينَ، عَقِيدَةً بَشَرِيَّةً سَاذَجَةً.إِذًا، فَهُمْ يَسْكُنُونَ ٱلْمُدُنَ ٱلْيُونَانِيَّةَ أَوْ مُدُنَ ٱلْبَرَابِرَةِ، مُتَكَيِّفِينَ مَعَ ٱلظُّرُوفِ؛ كَمَا أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ ٱلتَّقَالِيدَ ٱلْمَحَلِّيَّةَ فِيمَا يَخُصُّ ٱللِّبَاسَ وَٱلطَّعَامَ وَٱلْعَادَاتِ. رَغْمَ ذٰلِكَ، فَهُمْ يَشْهَدُونَ جَلِيًّا بِنَمَطِ عَيْشٍ يَخْرُجُ عَنِ ٱلْمَأْلُوفِ. كُلٌّ مِنْهُمْ يَسْكُنُ وَطَنَهُ ٱلْخَاصَّ، لَكِنَّهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ كَعَابِرِي طَرِيقٍ. يُؤَدُّونَ وَاجِبَاتِهِمْ كُلَّهَا كَمُواطِنِينَ أَصِيلِينَ، لَكِنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ كُلَّ شَيْءٍ كَأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ. كُلُّ أَرْضٍ غَرِيبَةٍ هِيَ وَطَنُهُمْ، وَكُلُّ وَطَنٍ هُوَ أَرْضٌ غَرِيبَةٌ... يَعِيشُونَ فِي ٱلْجَسَدِ، وَلٰكِنْ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ (رَاجِعْ ٢كُور ١٠: ٣؛ رُو ٨: ١٢ – ١٣). يَمْضُونَ حَيَاتَهُمْ عَلَى ٱلْأَرْضِ، لَكِنَّ مَدِينَتَهُمْ هِيَ فِي ٱلسَّمَاءِ (رَاجِعْ فِي ٣: ٢٠؛ عِبْ ١١: ١٣ – ١٤). يُخْضِعُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلشَّرَائِعِ ٱلْعَامَّةِ، لَكِنَّ نَمَطَ عَيْشِهِمْ يَتَجَاوَزُ ٱلشَّرِيعَةَ.يُحِبُّونَ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ، وَلٰكِنَّ ٱلْجَمِيعَ يَضْطَهِدُونَهُمْ. لَا يَجِدُونَ ٱلتَّقْدِيرَ، بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ وَيُقْتَلُونَ، وَهٰكَذَا يَنْتَقِلُونَ إِلَى ٱلْحَيَاةِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ. هُمْ فُقَرَاءُ، وَلٰكِنَّهُمْ يُغْنُونَ كَثِيرِينَ؛ يَنْقُصُهُمُ ٱلْكَثِيرُ، وَلٰكِنَّهُمْ يُكْثِرُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ. عِنْدَ ٱلْإِهَانَةِ، يُبَارِكُونَ؛ وَعِنْدَ ٱلشَّتِيمَةِ، يُكْرِمُونَ ٱلْآخَرِينَ. بِٱلِٱخْتِصَارِ نَقُولُ: كَمَا ٱلنَّفْسُ فِي ٱلْجَسَدِ، هٰكَذَا ٱلْمَسِيحِيُّونَ فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ.
#شربل سكران بالله