للخوري مخايل صافي
اليوم التاسع والعشرون
نتأمّل: يا سلطانة الانتقال
إنّ سيّدتنا مريم العذراء بعد موتها الهني انتقلت بنفسها وجسدها إلى السماء. وهذا كان اعتقاد الكنيسة والمسيحيّين منذ القدم لأنّهم كانوا يحتفلون بهذا العيد بأبّهة وجلال يتأهّبون له بصوم و"قطاعة السيّدة" مشهورة حتّى أنّ الكثيرين ينقطعون ليس فقط عن اللحم والبياض بل أيضًا عن الزيت. والكنيسة وقد ألحّ عليها أساقفة العالم والمؤمنون، قد عزّزت اعتقاد المسيحيّين هذا بأن أثبتت هذه العقيدة 1950، عندما أعلنها قداسة البابا بيوس الثاني عشر حقيقة إيمانيّة. فأصبح من ثمّ انتقال سيّدتنا مريم العذراء إلى السماء بنفسها وجسدها عقيدة إيمانيّة لا يجوز الارتياب بها قطعًا.
لا نعجب من انتقال سيّدتنا مريم العذراء إلى السماء بنفسها وجسدها بل يجب أن نعجب فيما لو كان جسدها لم ينتقل مع نفسها بل بقي في القبر كباقي الأجساد عرضة للتغيير والانحلال. لأنّه لا يليق بجسد العذراء الطاهر الذي تكوّن منه جسد ابن الله واستقرّ فيه تسعة أشهر وتغذّى من حليبه لا يليق به أن يكون مأكلاً للدود وعرضة لفساد!
والنبي قد أخبر بوحي الروح القدس عن انتقال سيّدتنا مريم العذراء قائلاً: من هي الصاعدة من القفر مستندة على حبيبها؟ والقدّيس يوحنّا الحبيب في رؤياه يشير إلى أنّ العذراء موجودة في السماء بنفسها وجسدها فيقول: أعجوبة عظيمة ظهرت في السماء: امرأة جالسة على عرش عظيم ملتحفة بالشمس وتحت قدميها القمر وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبًا. والنبي داوود يلمّح إلى ذلك فيقول: قامت الملكة من عن يمين ابنها ولبسها من نسائج الذهب. فهل يليق بجسد أشرق منه نور العالم يسوع المسيح أن يستقرّ في ظلمة القبر ؟
إنّ سيّدنا يسوع المسيح قد عصم أمّه من دنس الخطيئة الأصليّة باعجوبة فقد لاق بل وجب أن يعصم جسدها النقيّ أيضًا من الفساد والانحلال بعد الموت. كذلك الروح القدس الذي اتّخذ جسد العذراء هيكلاً له لم يرضَ أن يمسي هذا الجسد معرّضًا للفساد. والآب السماويّ الذي كوّن جسد العذراء ليعدّه مسكنًا لابنه الوحيد لم يشأ لهذا الجسد المقدّس أن يسكن القبر مدفونًا تحت التراب إلى يوم القيامة!
💫 خبر
يخبرنا التقليد، أنّ سيّدتنا مريم العذراء ماتت بعد ابنها ببضع سنوات، فدفنها الرسل والتلاميذ بكلّ إكرام واحترام. وكان يفوح من جسدها رائحة عطريّة زكيّة. ويسمع حول قبرها ألحان ملائكيّة عذبة. وبعد ثلاثة أيّام حضر الرسول توما الذي كان غائبًا وقت موت العذراء. وأراد أن يتبرّك من جسدها الطاهر. فذهب مع الرسل إلى حيث دفنت ففتحوا القبر ففاح منه رائحة عطريّة ولم يروا فيه جسد البتول فتحقّقوا أنّ ابنها يسوع نقل جسدها الطاهر إلى السماء ولم يسمح أن يبقى في القبر للدود والفساد!
كان اسطفان ملك هنكاريا يصنع حسنات كثيرة فبعد موته بسنين وجدت يده التي كان يحسن بها سليمة غضّة طرية. والقدّيس أنطونيوس البادوي بعد موته بلي جسده كلّه إلاّ لسانه فقد بقي سليمًا لأنه كان يستخدمه للوعظ والإرشاد وتحريض الناس على محبّة الله وعبادته. فإذا كان الله حفظ بعض أعضاء من أجساد القدّيسين من الفساد لأنّهم استخدموها في سبيل مجده ومحبّته. فكم أحرى به أن يحفظ من الفساد جسد سيّدتنا مريم العذراء الذي استخدمته كلّه في خدمته ومحبّته! فيداها حملتا يسوع وعيناها نظرتا يسوع. وشفتاها قبّلتا يسوع. وحشاها حمل يسوع، وصدرها غذّى يسوع. وقلبها اشتعل بحبّ يسوع. وجسدها كلّه استخدمته لأجل يسوع فلا يليق بهذا الجسد المقدّس إلاّ أن يرفع إلى أعلى السماوات!!
💫 إكرام: اقصد أيّها المسيحيّ أن تكرّم العذراء ليس في هذا الشهر فقط بل كلّ أيّام حياتك فتستحق أن تكون معها في السماء.
💫 نافذة: يا سلطانة الانتقال تضرّعي لأجلنا.
عن كتاب : شهر أيّار
تأمّلات في طلبة العذراء - للخوري مخايل صافي
جمعيّة «جنود مريم»
#Saintcharbel22
#شربل سكران بألله
