15 Apr
15Apr

ميلاده:


ولد القديس انطونيوس فى مدينة لشبونـة اكبر مدن البرتغال ومركز حضارتهـا، من والدين شريفي الحسب والنسب، فوالده هو مرتين دى بوليـن Martin Bouillon، والذي كان أحد رجال الحكومة وأعز فرسان الـملك الفونس الثانى ملك البرتغال، ووالدتـه هـى تريزا دى تاوير Theresa Tavejera والتى كانت من سلالة الـملك فريلا الأول Froil I الذى كان ملكاً على أحد أقاليم اسبانيـا.


وكانت ولادة هذا القديس يوم 15 أغسطس سنة 1195 وهو يوم عيد إنتقال مريـم البتول إلـى السـماء. وفى اليوم الثامن لـميلاده حُمل بـه الى كنيسة مريم البتول التى كانت بالقرب من بيت أبيـه وهناك تم عـماده وأطلق عليـه إسم “فردنـاند Ferdinand أو فرناندو Fernando.

ومما يُذكر عن غرائب طفوليتـه انـه إذا بكى فأوتـي بـه فى احدى النوافذ الـمطلّة على كنيسة مريم البتول، كفّ حالاً عن البكاء ومد نحوهـا يديـه الصغيرتين، ومن أجل ذلك تحققت أمـه من أن نفسه ميّالـة إلـى أفعال الخيـر والعبادة.


 


تربيـتـه الـمسيحية:


إن أمـه التقيّة إذ توسمت فيـه الـميل الى أعمال البِر والديانـة منذ طفولته وقد ربتّه تربيـة حسنـة مسيحية، موضحة لـه محاسن الفضيلة ليسلك بحسبها وما تنهى عنـه الديانة الـمسيحية ليتجنبهـا، ولهذا فلقد كانت لتلك التعاليـم أثرهـا البالغ وأعطت عاجلاً أثماراً غزيرة إذ شوهد فرناند منذ نشأتـه محباً لأفعال البِر والعبادة الـمقدسة وكان يُكثر من زيارة الكنائس والأديرة ويرق قلبـه للفقراء حتى كان يحق لـه أن يقول:


غير ان الفضيلة التى أحبها حباً زائداً منذ صغره فهى الطهارة، زينة الفضائل وبهجتهـا، ولذلك بادر ذات يوم الى نذر عِفتـه على الدوام حباً بأم الطهارة مريـم البتول، والتى كان مراراً عديدة يزور هيكلهـا فى الكنيسة القريبـة من مسكنه وهو لم يكن يومئذ إلاّ فى الخامسـة من عـمره.


 


دخـولـة الـمدرسـة:


لم يناهز بعد قديسنا العاشرة من عمره حتى فكّر ابواه فى تعليـمه فى مدرسة خوارنـة الكاتدرائيـة التى كانت تجمع بين جدرانها اولاد شرفاء المدينة واعيانها واوصيا به عمه الكاهن الذى كان هنالك، فأطاع فردنـاند تدبير والديـه وإجتهد فى دروسـه حتى انـه تـميز على زملائـه علماً وفضيلة وأصبح قدوة صالحة لكل منهم ومكث فى هذه الـمدرسة خمس سنوات.


أما الشيطان فلـم يقبل أن يرى فرناند الصغيـر فى سيرة هكذا ملائكيـة فذات يوم ظهر على هيئة كلب بينما كان فردناند يصلّي فلـم يخف ومد يده ورسم بأصبعه إشارة الصليب الـمقدس على بلاطـة رخاميـة كانت بجانبـه وإستمر في الصلاة، فإنطبعت إشارة الصليب على البلاطـة الأمر الذى ألزم الشيطان أن يهرب من جواره.



دخول رهبانيـة الأغسطينين


لـما بلغ فرناند سنته الخامسة عشر وعرف أن ترك الأمور العالـميه لهو رأس الحكمة، قرر أن يلتحق برهبانيـة القانونيين الأغسطينين

Canons Regular of St. Augustine وذلك فى الدير الذى كان يقع خارج ضواحى مدينة لشبونـة وكان ذلك حوالى سنة 1210.

وذات يوم بعد صلاتـه أتـى الى والديـه وكاشفهم بـما عزم عليـه من شأن دخول الرهبانيـة ملتـمساً منهـما موافقـتهما وبركتهـما.

ووافقـا والديـه بدموع الفرح على طلب فرناند، فـمضى فرحـاً إلى الدير وطلب بتذلل من رئيس الرهبنـة الإنضمام الى الرهبانيـة، فوافق على طلبـه وإرتدى الثوب الرهبانـي فى شهر أغسطس سنة 1210.

وإجتهد فرناند فى مطالعـة وتعلـم قوانين الرهبنـة وإجتهد فى الترقّـي فى الفضائل إلـى أن إنقضت سنة الإختبار. وقد إختبره عدد من الرهبان فوجدوا انـه أهل لنذر قانونهـم فنذره وهو مسرور وقدّم حياتـه كلهـا نفساً وجسداً لخدمـة ومحبـة الله.

وفى العام الثانـي من دخولـه الرهبنـة طلب من الرؤساء أن ينتقل الى أحد الأديرة البعيدة عن البلدة ليتجنب كثرة الزيارات من الـمعارف والأقارب ووُفق على طلبـه وإنتقل الى دير الصليب الـمقدس فى بلدة قمريـة Coimbra وكان ذلك فى سبتمبر سنة 1212، حيث مكث ثماني سنوات حتى بلغ عامـه السادس والعشرين من عـمره، وخلالهـا زاد من ممارسة الرياضات الروحيـة والفضائل الرهبانيـة وأصبح بارعاً فى علوم الفلسفة واللاهوت والكتاب الـمقدس والذى حفظـه عن ظهر قلب.

ولـما كان فى الرابعـة والعشرين من عـمره سيّم كاهنـا وكان ذلك سنة 1218 وهو لـم يزل منضـماً للرهبنـة.

وحين إقامتـه فى دير الصليب الـمقدس صنع الله على يده بعض الـمعجزات منهـا انـه شفى أحد الرهبان الذى كان مريضاً بداء عِضال بأن غطـاه بردائـه فنهض الراهب فى الحال من فراشه صحيحاً سليماً.

ومرّة أخرى كان يقوم خارج الكنيسة ببعض أعمال الطاعـة والخدمـة وسمع قرع الجرس إشارة على قرب الكلام الجوهري فى القدّاس، فخّر على ركبتيـه ساجداً وحينئذ تفتحت الجدران التى كانت بين القديس ومذبح الكنيسة فعاين الجسد الـمقدس التى سجد له بأحر التقوى والعبادة، ثم عادت الجدران كما كانت عليـه تاركـة علامـة تقاربهـا ذِكراً لهذه الـمعجزة.


 


إعتناقـه الرهبانيـة الفرنسيسكانيـة:


فى ذلك الزمان كانت هناك أديرة للرهبان الفرنسيسكان في البرتغال ومنهـا دير كان بجانب بلدة قمريـة، وكان هؤلاء الرهبان يأتون في بعض الأحيان لدير الصليب الـمقدس وكان قديسنا يرّحب بهـم ويقدم لهـم ما جاءوا من أجلـه وذلك لحبـه الشديد بطريقة معيشتهم.

وذات يوم استشهد أحد هؤلاء الرهبان الفرنسيسكان مع بعض زملائـه عندما كان فى مراكش للتبشير ولقد رأى قديسنا فى رؤيـة أثنـاء إقامـة القداس ذلك الراهب وهو يرتفع للسـماء متلألئـاً نوراً فعرفـه للحال وأدرك سمو قداسة رهبانيـته، وبعد ذلك وصلت بعض أجزاء من أجساد هؤلاء الرهبان الى الدير، فإزداد قديسنا شوقاً للإستشهاد وسفك دمـه من أجل الإيـمان الـمسيحي فخرج من رهبانيـة الأغطسينيين وترهب فى رهبنـة القديس فرنسيس الأسيزي (الإخوة الأصاغـر) ولبس ثوبهم الـمقدس فى أواخر يوليو سنة 1220 وهو في أوائل السادسة والعشرين من عـمره، وفى ذلك اليوم دُعـي بإسم “أنطونيوس”. وواظب على ممارسة الفضائل الرهبانيـة الطاعـة والفقر والعفّـة بجانب التواضع والسذاجـة والصبـر.


وسافر إلـى دير منتباولو Montepaolo ووصله فى أوائل يونيو سنة 1221، وإجتهد كثيراً فى ممارسة الإماتات والتقشفات وكثرة السهر ومداومـة الصلاة وإلى غير ذلك من الأعمال التقويـة، ولذا لا عجب ان كان الله يؤتيـه كثيراً فى أيام خلوتـه برؤيات سماويـة، ومنهـا أن العذراء مريـم قد ظهرت لـه يومـا وأرتـه قلبـاً مكللاً بالشوك منطبعـة عليـه صورة يسوع الـمصلوب ويحيط بـه شبـه حبل الرهبان وكان هذا بـمثابـة دليل على ضرورة تقديم العبادة والإكرام لقلب يسوع الأقدس.


ولـما تأكد رؤسائـه من بلاغتـه وإنذهلوا من وعظـه ومن الحجج التى كان يأتي بهـا وما لـه من قوة التأثيـر على سامعيـه، فسمحوا لـه بالتبشير فى كل مدن إقليـمه، مثل مدن Vercelli ،Bologna ،Montpellier ،Toulouse، وغيرهـا. ولقد نجح فى رد الخطأة إلـى التوبـة وهدايـة الهراطقـة وصنع العديـد من العجائب والـمعجزات.


فى مجيء القديس إلـى مدينـة بادوا Padua:


لقد كانت مدينـة بادوا حين مجئ القديس انطونيوس إليهـا من أسوأ الـمدن الإيطاليـة نظراً إلـى شذوذ الأداب وتعاليـم الهراطقـة، وفيهـا كان الشبان ذو أخلاق فاسدة وإنتشر فيهـا الفسق والربـا وإلى غير ذلك من الخطـايـا. ففd مثل تلك الظروف دخل لأول مرة قديسنا انطونيوس الـمدينة فى سنة 1227، ولـم يكن مجيئـه إلاّ مجيئ رسول وملاك سلام يعلـمها الحق ويُصلح آدابهـا، ولذا عندمـا بدأ وعظـه أخذ فى تبكيت الخطـأة على خطاياهـم وينقض ببراهينـه وحججـه إدعاءات الهراطقـة ومبادئهـم الفاسدة. وكان كل من يستـمع إلـى عظاتـه يرتد بعد سماعهـا خاشعاً وتائـباً وأصلح الخطـأة من شأنهـم فعاشت عندئذ مدينـة بادوا فى سلام ومحبـة وشاهد سكانهـا عجائب كثيرة صنعهـا القديس انطونيوس فى ظروف مختلفـة.


ومن إحدى تلك العجائب ان جاءه يومـا شاب اسمه لاوندرس ليعترف ويقر بخطايـاه ومن انـه قد ضرب أمـه برجلـه ضربـة شديدة، فقال القديس ليعّرف الشاب بجسامة الخطأ: “ان الرِجلْ التى فعلت ذلك لأجدر بأن تُقطع”، فـما كان من لاوندرس الشاب بعد أن عاد إلـى بيتـه إلا وان تناول فأساً وضرب بقوة رجلـه وقطعهـا فى الحال وكاد أن يغـمى عليـه من شدة الألـم، فبادرت الأم وذهبت الى القديس انطونيوس وأخبرتـه بـما فعل إبنهـا وهى باكيـة، فذهب القديس معهـا وصلّى للشاب وقام وأخذ الرِجل الـمقطوعـة ووضعهـا فى مكانهـا ورسم عليهـا إشارة الصليب الـمقدس، فالتحمت فى الحال التحامـا عجيبـاً ونهض لاونردوس وسار على قدميـه مسبحاً اللـه.

وفى قصة أخرى انـه كان هناك فى الـمدينة رجل غني متديّـن اسمه تيزون وكان محسناً للرهبانيـة وكان قد خصص حجرة فى قصره ليأوى اليهـا القديس فى كل مرّة يتعذر عليـه العودة الى ديره عند تأخره لسماع إعترافات التائبين الكثيري العدد. وذات ليـلة كان القديس فى حجرتـه فى القصر يصلّي وعند مرور تيزون أمام الحجرة، رأى طفلاً رائع الـمنظر يحمله القديس وكانت تخرج من الطفل اشعة نورانيـة أضاءت الحجرة كلهـا، وكان القديس يتحادث مع الطفل ويقّبلـه، فأيقن تيزون ان هذا الطفل ما هو إلاّ يسوع فخـرّ ساجداً على الأرض أمام الحجرة حتى إختفت تلك الرؤيـة العجيبـة. وعند الصباح شدد القديس انطونيوس على مضيفـه تيزون أن لا يبوح بسر تلك الرؤيـة إلاّ بعد موت القديس. ولقد أذيع خبر تلك الرؤيـة فيما بعد وهذا هو سر تلك الصور التى يظهر فيهـا القديس أنطونيوس حاملاً للطفل يسوع.


وفى 7 ابريل من سنة 1230 ذهب القديس انطونيوس الى مدينة أسيزي لحضور إجتماع عام للرهبنـة وفى ذلك الـمجمع حدثت بعض الـمشاكل بخصوص قانون الرهبنـة، فطلب الرئيس العام للرهبنـة برفع الأمر الى قداسة البابا فأوفد القديس انطونيوس مع ثلاثـة من الأباء الـمشهورين عِلـماً وتقوى الى رومـا، وتقابل الوفد مع قداسة البابا غريغوريوس التاسع وعرض القديس عليـه الأمر. ولقد أجّل البابا البت فى الأمر إلى اربعة أشهر وطلب من القديس انطونيوس البقاء فى رومـا وإلقـاء الـمواعظ.

وذات يوم أمره البابا أن يعظ بحضرتـه وحضرة بعض من كرادلـة الكنيسة وغيرهـم، فقام القديس بإلقاء عظتـه مما أذهل البابا من سمو علـمه وحكـمته فهتف صائحـا: “ان هذا الواعظ هو تابوت العهدين وخزانـة الكتب الـمقدسة”.

هذا وفى تلك الـمدة التى لبث فيهـا القديس انطونيوس فى رومـا، أن العديد من الحجاج الذين كانوا قد أتوا من ممالك وبلدان عديدة لزيارة رومـا بمناسبة اليوبيل انهـم استمعوا لعظات القديس العجيبة ودهش الحاضرين عندما سمع كل واحد منهم القديس يعظ بلغته الأصليـة، فضلاً عـما كان لهـا من تأثيـر عجيب على نفوسهم، وكأن أراد اللـه أن يجدد فى قديسه الآيات الرسوليـة التى وقعت فى أورشليم يوم حلول الروح القدس على الرسل والتلاميذ.

وبعد أن أجاب البابا على الـمسائل التى رفعتهـا الرهبنـة إليـه، وافق على عودة القديس الى ديـره وطالبـه بالإستمرار فى الوعظ والتبشير وضرورة كتابـة مواعظـه ليستفيد منهـا أكبر عدد من الناس.


ولكن قرر القديس انطونيوس بعد عودتـه أن يعتكف للصلاة والتأمـل فذهب الى جبل القرنـا الـمقدس، والذى يُعد من أشهر الـمزارات الدينية فى ايطاليـا وأوروبـا، فهو الجبل الذى كان قد قصده من قبل القديس فرنسيس الأسيزي وعاش فى إحدى كهوفـه حيث تـمتع فيـه بظهور السيد الـمسيح لـه، وإتخذ أحد الكهوف و بدأ قديسنـا فى مضاعفـة أعمال الإماتـة والتوبـة الشديدة، ثـم عاد الى بلدتـه بادوا بعد إنقضاء نصف شهر وكان ذلك فى آواخر نوفمبر لسنة 1230، ليواصل فيهـا أعمال الكرازة والتعليـم ومجابهـة الهراطقـة، هذا الى جانب كتابـة مواعظـه إمتثالاً لأمر الرؤسـاء.


وواصل قديسنـا الوعظ والتعليـم وإستماع الإعترافات وإرشاد الـمؤمنيـن رغم ما كان عليـه من ضعف الجسم وما أصيب بـه من داء الإستقساء نتيجة للأصوام الطويلـة ولـم يكن فراشه إلاّ ألواح خشبيـة ووسادتـه كانت من الحجر لا غيـر.


ولقد أوحـى اللـه لقديسنـا بيوم إنتقالـه فإستعداداً لذلك رأى هو أن ينقطع عن الكرازة فى شهر مايو سنة 1231 وخرج خفيـة من مدينة بادوا وإتجـه مع رفيقيـه لوقـا ورجريس وسكنوا ثلاثـة أكواخ كان قد أعدهـا الكونت تيزون فى فروع شجرة ضخمـة والتى كان يأتـى إليهـا للتعبد والصلاة من قبل.

وفـى آواخر مايو 1231 أي قبل موتـه بخمسة عشرة يومـا وقف ينظر الى بلدة بادوا ويصلّى من أجل شعبهـا وقال الى رفيقـه لوقـا ان بادوا ستحصل عن قريب على كرامات عظيـمة. وبعد أيام خارت قواه وضعف وطلب من رفيقيـه أن يُعيدوه الى الديـر، وفى الطريق قابلهـم أحد الرهبان ونصحـه بالذهاب الى أقرب دير فى أرشلا. وهناك تناول من الأسرار الـمقدسـة وأخذ بعدهـا قديسنـا فى ترتيل احد أناشيد السيدة العذراء وفى أثناء ذلك تراءت لـه البتول الطاهـرة فرفع عينيـه الى السماء ووجهـه كان فرحـاً، وهنا سألـه أحد رفقائـه عـما يراه فأجابـه “إنـى أري سيدي”، وهنـا أخذ الجميع يرتلون مزاميـر التوبـة وفى مساء ذلك اليوم وكان فى الثالث عشر من شهر يونية وسنة 1231 فارقت روح القديس عالـم الأرض إلـى السماء وكان قد بلغ من العـمر حوالـي ستة وثلاثون سنـة.

وفى الساعـة ذاتهـا التى إنتقل فيهـا قديسنـا العجيب الى السماء قد تراءى لأحد معلميـه وهو الأنبا تومادى فرشلي والذى كان مريضاً وقال لـه: “هاءنذا قد غادرت مسكني بقرب بادوا وإنطلقت الى الوطن”، ولـمس حنجرة الـمريض فشفـى وتوارى عن الأنظار وهنا فهم الأنبا تومادي ان هذا الظهور كان بعد موت القديس.

وفى نفس تلك الساعة أيضاً رأى رهبان دير أرشلا ضرورة إخفاء خبر موت القديس خوفا من تجمع الشعب فى ديرهم، ولكن اللـه آثـر أن يذيع خبر موت قديسه فإذ بدأ صبيان مدينة بادوا فجأة يطوفون الـمدينـة وهم يصيحون قائلين:”مات الأب القديس..مات القديس أنطونيوس”، وعند سماع أهل البلدة ذلك تركوا كل شيئ وخرجوا شباناً وشيوخاً ورجالاً ونساءاً وأسرعوا الى دير أرشلا ووقفوا أمام الديـر يبكون ويقولون:”يا أبـا بادوا ومعلـمهـا وملجأهـا، يا من ولدنـا بكرازتـه الساميـة ليسوع الـمسيح مخلصنـا كيف كان منك هذا الفراق الـمؤلـم وإلـى من تركتنـا…” وإلـى غير ذلك من كلـمات الحزن وطالبيـن منـه الصلاة.

وحدثت مشاحنات عنيفـة بين أهل أرشلا وبادوا والرهبان عن أين يُدفن جسده، وتدخلت الحكومـة فى الأمـر ولـم يهدأ الحال إلا بعد أن عرفوا أن رغبـة القديس هى أن يُدفن فى دير مريم البتول فى مدينـة بادوا. وبالفعل بعد خمسة ايام من موت القديس وافق الرئيس الإقليـمي والأسقف على دفن الجسد فى بادوا.

فسار موكب رهيب حاملا الجسد من مدينـة ارشلا الى مدينـة بادوا وسط الترانيـم الطقسية وكان يحمل النعش أمراء وأشراف الـمدينة حتى وصلوا الى بادوا التى كان الآلاف من الشعب الذين وفدوا من القرى والبلاد الـمجاورة مجتمعيـن فيهـا حامليـن الشموع والذين حضروا للتبرك ووداع القديس، وفى يوم الثلاثاء السابع عشر من يونيو سنة 1231 تم دفن الجسد فى كنيسة الدير وهو الـموجود حاليـا فى كنيسة مار انطونيوس ببادوا.

ولقد صاحب مراسيم دفن جسد القديس العديد من الـمعجزات فلقد أتى يومئذ عدد كبير من المصابين بالأمراض الـمتنوعـة، فكل من لـمس التابوت أو دخل الى الكنيسة أو حتى أولئك الذين لم يتهيأ لهم دخول الكنيسة والدنو من التابوت لشدة الإزدحـام فقد نالوا جميعهم الشفاء بصورة عجائبيـة وأمام جميع الحاضريـن، فلقد عاد الأعـمى بصيراً والأصم سامعاً والـمُقعد ماشياً والأبكم متكلـماً وكل من كان ذو ألـم عاد معافاً وحتى من كان فى حال الخطيئة الـمميتة فلم ينالوا نعـمة الشفاء إلاّ بعد إعترافهـم بخطاياهـم ونيل الغفران من الكهنـة وكأن اللـه برحمـة عظيـمة شمل الجميع بتلك البركات إكرامـا لقديسه العظيم.

ولقد حضر من المدن والقرى الـمجاورة الـمئات سائرين حفاة الأقدام حاملين الشموع وهم يرتلون فى خشوع لزيارة قبر القديس انطونيوس وكان يتبارى الجميع فى إظهار ندامتهـم وتوبتهـم والصلاة طالبيـن شفاعـة قديسهم العظيم.

الـمناداة بـمار انطونيوس قديسـاً:


لم تمض سنة على وفاة قديسنا حتى نادى به البابا غريغوريوس التاسع قديساً وكان ذلك يوم عيد العنصرة فى بلدة Spoleto بأيطاليـا وذلك فى 30مايو سنة 1232 وذلك تكريماً وتمجيداً لله الآب والإبن والروح القدس، وتم تحديد يوم 13 يونيو ليكون عيداً يحتفل فيه المؤمنين فى انحاء الكنيسة الجامعة بذكرى القديس انطونيوس البادوي.

وفى عام 1263 تم بناء كنيسة كبيرة فى مدينة بادوا حيث تم نقل رفات القديس انطونيوس اليها فى موكب وإحتفال مهيب صاحبـه معجزات عديدة وقد حضر ذلك الإحتفال القديس بونافنتورا، وعندما فتحوا الصندوق وجدوا لسان القديس أنطونيوس كما هو فى صورة صحيحة لم يتحلل، وهنا صاح القديس بونافنتورا قائلاً: “مبارك هذا اللسان الذى طالـما سبّح الله وجعل الآخرين يسبحونـه، والآن أصبح علامـة أمام الله”.

وإنتشرت أخبار المعجزات وما أُشتهر بـه القديس أنطونيوس من إيجاد الأشياء الـمفقودة حتى جاء عام 1898 حيث قد حثّ البابا ليون الثالث عشر الـمؤمنين على صلوات الثلاثة عشر ثلاثاء تكريماً للقديس أنطونيوس البادوى.

وفى أول مارس سنة 1931 أصدر البابا بيوس الحادى عشر رسالة باباويـة “Antoniana Solemnia بمناسبة الإحتفال بمرور 7 قرون على وفاة القديس أنطونيوس.

وفى 16 يناير سنة 1946 أصدر البابا بيوس الثانى عشر رسالة “Exulta” وتم فيها إعلان أن القديس أنطونيوس البادوى هو أحد معلموا الكنيسة الكاثوليكية.


 


تخصيص يوم الثلاثاء لإكرام القديس انطونيوس:


لـما كان اليوم الذى دفن فيه القديس أنطونيوس كان يوم الثلاثاء، وتم حدوث العديد من المعجزات فى ذلك اليوم، فلقد شاع بين اهل بادوا وبعد ذلك العديد من المسيحيين أن يختاروا يوم الثلاثاء فى طلب إستغاثتهم بالقديس وطلب نعمة ما منه، وان كل من طلب نعمة فى ذلك اليوم بشفاعتة نالها بلا شك.


أعجوبة الخبز:


فى عام 1893 كانت السيدة لويزة بوفيه من مدينة طولون بفرنسا كثيرة الصلوات للقديس انطونيوس وذات يوم طلبت بحرارة قلب نعمة ما ونذرت ان تهب الفقراء كمية وافرة من الخبز شكراً للرب على نيل طلبها بشفاعة القديس.

ولقد تم لها ما ارادت واوفت السيدة بنذرها ووزعت الخبز على الفقراء. وبعد ذلك شاع الخبر بين جاراتها وصديقاتها اللواتى طلبن ايضاً نعماً

من القديس مع إلزام انفسهن بتوزيع كمية من الخبز على الفقراء، فنالت كل واحدة النعمة المطلوبة، وبعد قليل إمتدت هذه العادة فى طولون حتى اصبحت دار السيدة لويزة مزار يقصده كل محتاج وكمخبز يومى للمساكين. وعلى هذا النحو سرت هذه العبادة بكل سرعة الى بلاد عديدة وخاصة مصر حيث اغلب اديرة الفرنسيسكان توزع بكثرة على الفقراء كل يوم ثلاثاء الخبز المنذور شكراً للقديس انطونيوس العجائبي على النعم التى يصنعها مع كل من يلتجئ اليه ولذا دعى خبز مار انطونيوس.


من تعاليـم القديس انطونيوس البادوي:


مكانة يسوع لابد ان تكون دائما فى مركز كل قلب، ومن هذا الـمركز الذى يمثل الشمس تشع كل النعم على كل فرد منـا.

من يكون أكثر سعادة وبركـة مِن ذاك الذى يكون الله قد أقرّ موضع سكناه فيـه. مـاذا تبغى أكثر من ذلك ومـا هو يا تُرى الذى يجعلك أكثـر غِنى؟. أنت تـملك كل شيئ عندمـا يكون في داخلك من خلق كل الأشياء، والذى يرضي كل رغباتك ويملأ أشواق نفسك، والذى أنت بدونـه لا شيئ.

مـا أوفـر الحب والحِميـّة والفرح الذى تختبرها النفس التى تملك الله. هذا الحب الغامـر يرفع الروح إلى ما فوق حدودهـا الـمحدودة. والغيرة والِحمّية نحو الله تجعل الروح تنطلق فوق طاقاتهـا ويحررهـا الفرح من الحزن.

هل تريـد أن تـملك كل شيئ؟، أبذل نفسك بكليتهـا الى الله، وسوف يعطيك الله ذاتـه بكليتهـا، وهكذا فيكون ليس لديك اي شيئ من نفسك بل ستمتلك الله ونفسك فيـه.

 الإنـاء يكون فارغاً ويمكنه ان يحتوى اي شيئ يُلقـى فيـه، والإنسانيـة تمثل هذا الإناء والنعمة هى التى تجعل الشخص يستقبل سكيب النعمة الإلهيـة.

تـمثل الأرض جسد الـمسيح، وكـما أن الأرض تُحرث وتُقسّم فى فصل الربيع لتنتج ثـمر وفيـر فى وقت الحصاد،هكذا جسد المسيح المتألم والـمقسّم من اجلنا جعلنا مستحقين ان نحصد ملكوت السموات. جسد المسيح اي الكنيسة تلك التى أُنبتت بواسطة الرسل، وسال فيها دماء الشهداء انتجت ثـمراً وفيـراً فى مؤمنيها.

المذبح على الأرض هو رمز للطبيعة البشرية للمسيح يسوع والمذبح فى السماء هو رمز للثالوث الأقدس و الـمذبح فى داخلنا هو رمز للقداسة الداخلية التى فى القلب.

نحن نحتاج الى سلام خارجي لكي نعيش مع الآخريـن، وسلام داخلي لنعيش مع أنفسنـا، وسلام أبدي لنعيش مع اللـه.

صورة الله فى البشريـة قد تشوهت وحُجبت بالخطيئة، ولكنها أُعيدت وأُضيئت بواسطة الروح القدس والذى نفخ نسمة الحياة فينا.

 فلينمو حبك فى المعرفة والفهم حتى يمكنك ان تعرف كيف تميّز فقط ما بين الصالح والشرير ولكن ايضاً ما بين ما هو جيّد وما هو أحسن.

#شربل سكران بألله 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.