09 Mar
09Mar

أنا لفافة من التبغ صغيرة الحجم, أنيقة المظهر، عُرِفتُ من قديم الزمان ، ولي أصدقاء كثيرون في كل مكان ، ألبس رداءً جميلاً من الورق الأبيض ، وأسكن داخل علبة أنيقة مزينة برسومات جميلة ، تجدني في كل مكان ، فأنا أحتلّ مركزاً ممتازاً فى جيوب أصدقائي ، وأستقرّ على مكاتبهم نهاراً وتحت وسائدهم ليلاً ، وأشغل مكاناً كبيراً في واجهات المحلات ورفوف الدكاكين وأملأ يافطات الإعلانات الضخمة ذات الألوان المضيئة.


وتجد صورتي في الجرائد اليوميّة والمجلات ، ورائحتي تملأ جو الصالونات والقطارات وعربات التران.


إنّ أصدقائي يخلصون لي أشدّ الإخلاص فيقدمونني إلى أصدقائهم ومعارفهم.


ويبالغون في إكرامي فيصنعون لي علباً من ذهب ويشعلونني بولاعات من فضة ، وقد توطّدت صداقتي بالكثيرين منذ زمن بعيد فإنّ 90% من أصدقائي تعرفوا بي وهم بعد أحداث في سن المراهقة ، إذ وجدوا فيَّ شبعاً لغرورهم وعلاجاً لمركب النقص فيهم ، إذ أظهرهم بمظهر الرجولة وأوحى لهم بالإعتداد بالذات فيتباهون بي أمام الآخرين ولا سيّما من الجنس الآخر ، إنّ أصدقائي من كل جنس ومن كل طائفة ، فيهم الغني والفقير ، العالم والجاهل ، الشيخ والشاب ، الرجل والمرأة.


توطدت صداقتي معهم على مرّ السنين والأيام فأصبحت جزءاً لا يتجزأ منهم.


ومهما طرأ عليهم من ظروف فإنهم لا يتركونني ، لقد مرض بعضهم ونصحه الطبيب بالإبتعاد عني ولكنهم فضلوا البقاء في المرض على أن يبغضوني ، وبعضهم أفلس وإحتاج للقوت الضروري ليسدّ به رمقه ورمق أولاده ، ولكنه إزداد تشبّثاً وتعلّقاً بي.


لقد صدق أحد المعجبين بي حينما قال :


"لقد عزمت أن أذهب إلى الجحيم لأتمكّن من إشعال سيجارتي هناك".


إنّ أصدقائي على إستعداد كامل للتضحية في سبيلي مهما كلّفهم الأمر ولقد ضحّى بعضهم بماله وصحّته ومستقبله وحياته الأبديّة لكي يرضيني ، إنهم ينفقون عليَّ بسخاء الآلاف المؤلفة ، فالذي يدخّن 30 سيكارة في اليوم ، عندما يصل إلى سنّ السبعين يكون قد أنفق ثروة لا تقلّ عن ما يعادل ثلاثين ألف دولار وخمسمئة أخرى على أعواد الثقاب .



أمّا عن قوّتي وتأثيري فحدّث ولا حرج ، فأنا أحوي 19 مادة كيماوية لكل منها تأثير خاص ، وأهم هذه المواد النيكوتين وحامض البروسيك والبيرودين والكرولين والفرفورال ، والكمية التي أحتويها من هذه المادة الأخيرة تزيد على ما يوجد منها فى أوقيتين من الوسكي وعن طريق هذه المواد المختلفة وبما لي من سلطان فب تكوين عادة ، أضمن سيطرتي الكاملة على كل قوى الإنسان حتّى لا يستطيع الإنفكاك منّي.


وأنا أسير في طريق معيّن فأبدأ من أصابع اليد حيث أضع وصمتي عليها ثم أنتقل إلى الفم حيث أترك آثاري على الأسنان، ثمّ أتّجه إلى الحنجرة فألهبها ، ومن هناك أنزل إلى القصبة الهوائيّة حتى أصل إلى الرئتين فأحدث إحتقاناً وإلتهاباً في أغشيتهما المخاطية التي تشكو وتئن بصوت مرتفع يسمونه السعال الذي لا يتأثّر بأي دواء من أدوية السعال المعروفة وأحياناً أتسبّب عن غير قصد مني في إصابة بعض أصدقائي بسرطان الرئة.


ومن الرئتين أشقّ طريقي إلى الدورة الدمويّة حيث أترك رواسبي على جدرانها فأصيبها بتقلّص الشرايين وتجلّط الدم أحياناً ثمّ أصل إلى القلب فأزيد من عدد ضرباته وخفقاته.


وفي إمكاني أن أؤثّر على المعدة فأفقدها الشهيّة وأصيبها بإلتهابات قد تصل إلى حدّ التقرّح، وفي مقدرتي أيضاً أن أؤثّر على الجهاز العصبيّ فأجعله قلقاً مضطرباً وعلى العينين فيصعب عليهما رؤية الأشياء بوضوح ، وقد حاول بعضهم أن يضعف تأثيري عليهم فوضعوا داخلي قطعة من الفلتر ولكنها لم تستطع أن تحجز سوى 10% ممّا أحتويه.


ولكن تأثيري الأكبر هو على نفسيّة أصدقائي ، فأوحي لهم بإستحالة البعد عنّي وأخيفهم وأزعجهم من محاولة تركي ، وبذلك تضعف مقاومتهم تدريجياً ويفقدون ثقتهم بأنفسهم فيستسلمون ويصبحون لي عبيداً أذلاء .


وإن كنت آسفة على شيء فهو:


أنّ بعضاً من أعزّ أصدقائىي قد إستطاعوا الإفلات من قبضة يدي.


لقد عرفوا الخسارة التي حلّت بهم فى السير معى وتأكدوا من الخطر المحدق بهم وبحياتهم الأبديّة فصرخوا إلى الله طالبين النجاة مني ووثقوا في دم يسوع المسيح الذي يطهّر من كل خطيئة ، فأصبحوا خلائق جديدة بمجرّد صرختهم للّه بإسم الربّ يسوع المسيح المخلّص العظيم الذي يخلّص كل من يؤمن به ، ليس من الخطيئة فحسب بل من نتائجها الأبديّة الرهيبة أيضاً ويجعله بريئاً بغفران شامل لخطاياه السابقة واللاحقة عندما يُصدِر بحقه عفواً إلهياً فلا أحد يستذنبه .


هؤلاء الذين آمنوا بمسيح الله وكفارته عنهم تطهّروا بدمه الطاهر المُطهّر ، وأعلنوا غضبهم عليّ فمزّقوني إرباً إرباً وطرحوني أرضاً وداسوا عليّ بأقدامهم بقوّة وسلطان المسيح العظيم.


ومنذ ذلك الوقت إنقطعت صلتي بهم وتحوّلت صداقتهم لي إلى حرب شعواء أعلنوها عليَّ لكي يفقدوني بقيّة أصدقائي الَّذين قد تكون أنت واحد منهم.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.