قالَ الرَبُّ يَسوع: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ.
وبَدَأَ يُحَاسِبُهُم، فَأُحْضِرَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ لَهُ بِسِتِّينَ مَلْيُونَ دِيْنَار.
وإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي بِهِ دَيْنَهُ، أَمَرَ سَيِّدُهُ بِأَنْ يُبَاعَ هُوَ وزَوْجَتُهُ وأَوْلادُهُ وكُلُّ مَا يَمْلِكُ لِيُوفِيَ الدَّيْن.
فَوَقَعَ ذلِكَ العَبْدُ سَاجِدًا لَهُ وقَال: أَمْهِلْنِي، يَا سَيِّدِي، وأَنَا أُوفِيكَ الدَّيْنَ كُلَّهُ.
فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ العَبْدِ وأَطْلَقَهُ وأَعْفَاهُ مِنَ الدَّيْن.
وخَرَجَ ذلِكَ العَبْدُ فَوَجَدَ وَاحِدًا مِنْ رِفَاقِهِ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِيْنَار، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وأَخَذَ يَخْنُقُهُ قَائِلاً: أَوْفِنِي كُلَّ مَا لِي عَلَيْك.
فَوَقَعَ رَفِيْقُهُ عَلى رِجْلَيْهِ يَتَوَسَّلُ إِليْهِ ويَقُول: أَمْهِلْنِي، وأَنَا أُوفِيْك.
فَأَبَى ومَضَى بِهِ وطَرَحَهُ في السِّجْن، حَتَّى يُوفِيَ دَيْنَهُ.
ورَأَى رِفَاقُهُ مَا جَرَى فَحَزِنُوا حُزْنًا شَدِيْدًا، وذَهَبُوا فَأَخْبَرُوا سَيِّدَهُم بِكُلِّ مَا جَرى.
حِينَئِذٍ دَعَاهُ سَيِّدُهُ وقَالَ لَهُ: أَيُّهَا العَبْدُ الشِّرِّير، لَقَدْ أَعْفَيْتُكَ مِنْ كُلِّ ذلِكَ الدَّيْن، لأَنَّكَ تَوَسَّلْتَ إِليَّ.
أَمَا كَانَ عَلَيْكَ أَنْتَ أَيْضًا أَنْ تَرْحَمَ رَفيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنا؟!
وغَضِبَ سَيِّدُهُ فَسَلَّمَهُ إِلى الجَلاَّدين، حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا عَلَيْه.
هكَذَا يَفْعَلُ بِكُم أَيْضًا أَبي السَّمَاوِيّ، إِنْ لَمْ تَغْفِرُوا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُم لأَخِيْه، مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُم».
الرسالة العامّة "الغنى بالمراحم" (Dives in misericordia)، الفصل 7، الفقرة 14
إن كان البابا – القدّيس – بولس السادس قد أشار في عدّة مناسبات إلى أنّ "حضارة المحبّة" هي هدفٌ يجب أن توجّه إليه كلّ الجهود في الحقل الاجتماعي والثقافي وفي القطاع الاقتصادي والسياسي، فتجدر الإضافة أنّه يستحيل بلوغ هذا الهدف ما دمنا نقرّ في تفكيرنا وأعمالنا، التي تتناول قطاعات واسعة صعبة في الحياة المشتركة، مبدأ "العين بالعين، والسنّ بالسنّ"، ولا نسعى إلى تحويره وإكماله بروح مغايرة. ومن الثابت أنّ المجمع الفاتيكاني الثاني يقودنا في هذه الطريق، عندما يشدّد، المرّة تلو المرّة، على ضرورة جعل العالم "أكثر إنسانيّة"، ويعتمد على الكنيسة اليوم للقيام بهذا الواجب. ولن يصبح عالم الناس "أكثر إنسانيّة"، إلاّ إذا أدخلنا فيما للعلاقات الاجتماعيّة بين الناس من نطاق متعدّد الأشكال، بالإضافة إلى العدالة، هذه "المحبّة الرحيمة" التي تشكّل رسالة الإنجيل المسيحانيّة. ولا يمكن لعالم الناس أن يصبح "أكثر إنسانيّة" إلاّ إذا فسحنا في المكان والزمان – في جميع العلاقات المتبادلة التي تكوّن وجهه الأدبي – للمغفرة التي لا بدّ منها وفقًا للإنجيل. ويشهد الصفح على أنّ المحبّة في العالم أقوى من الخطيئة. وفضلاً عن ذلك، إنّ المغفرة شرط هام للمصالحة ليس فقط في العلاقة بين الله والإنسان، بل أيضًا في العلاقات المتبادلة بين الناس. وإنّ عالمًا تنتفي منه المسامحة يصبح عالم عدالة باردة جافّة يسعى كلّ بموجبها إلى المحافظة على حقوقه في وجه سائر الناس... ولهذا، على الكنيسة أن تعتبر أنّ من أهمّ واجباتها – في كلّ مرحلة من مراحل التاريخ، وعلى الأخصّ، في مرحلتنا هذه – أن تبشّر وتدخل في الحياة سرّ الرحمة المعلن عنه، على أسمى درجة، بالرّب يسوع المسيح.
#شربل سكران بالله