لَمَّا رأَى يَسُوعُ الجُمُوعَ صَعِدَ إِلى الجَبَل، وجَلَسَ فَدَنا مِنْهُ تَلاميذُهُ،
وفَتَحَ فاهُ يُعَلِّمُهُم قَائِلاً:
«طُوبى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوح، لأَنَّ لَهُم مَلَكُوتَ السَّمَاوَات.
طُوبى لِلْوُدَعَاء، لأَنَّهُم سَيَرِثُونَ الأَرض.
طُوبى لِلْحَزَانى، لأَنَّهُم سَيُعَزَّون.
طُوبى لِلْجِيَاعِ والعِطَاشِ إِلى البِرّ، لأَنَّهُم سَيُشْبَعُون.
طُوبى لِلْرُّحَمَاء، لأَنَّهُم سَيُرْحَمُون.
طُوبى لأَنْقِيَاءِ القُلُوب، لأَنَّهُم سَيُعَايِنُونَ الله.
طُوبى لِفَاعِلي السَّلام، لأَنَّهُم سَيُدْعَونَ أَبْناءَ الله.
طُوبى لِلْمُضْطَهَدِينَ مِنْ أَجْلِ البِرّ، لأَنَّ لَهُم مَلَكُوتَ السَّماوات.
طُوبى لَكُم إِذَا عَيَّرُوكُم وٱضْطَهَدُوكُم، وٱفْتَرَوا عَلَيْكُم كُلَّ سُوءٍ مِنْ أَجْلي.
إِفْرَحُوا وٱبْتَهِجُوا، لأَنَّ أَجْرَكُم عَظِيمٌ في السَّمَاوات، فَهكَذا ٱضْطَهَدُوا الأَنْبِيَاءَ مِنْ قَبْلِكُم.
ٱلصَّلَاةُ ٱلرُّهْبَانِيَّةُ
ٱلْقِدِّيسُونَ يَمْشُونَ فِي مَوْكِبِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ (...)، وَعِنْدَمَا نَمْدَحُ فَضَائِلَهُمْ وَنُنْشِدُ ٱسْتِحْقَاقَاتِهِمْ، فَإِنَّنَا نُمَجِّدُ وَنَحْتَفِلُ بِذَاكَ ٱلَّذِي، كَوْنُهُ رَأْسَهُمْ، هُوَ أَيْضًا ٱلْيَوْمَ إِكْلِيلُهُمْ (...).بَيْنَ هٰؤُلَاءِ ٱلْقِدِّيسِينَ تَنَوُّعٌ كَبِيرٌ. فَكُلٌّ، بِحَسَبِ دَعْوَتِهِ، وَقَدْ "أُعْطِيَ نَصِيبَهُ مِنَ ٱلنِّعْمَةِ عَلَىٰ مِقْدَارِ هِبَةِ ٱلْمَسِيحِ" (راجِعْ أَف ٤: ٧)، أَظْهَرَ وَجْهًا مِنْ مِلْءِ كَمَالِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلْإِلٰه. فَٱلرُّوحُ نَفْسُهُ، كَمَا يَقُولُ بُولُسُ (راجِعْ ١كور ١٢: ٤)، أَعْطَىٰ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِعْمَةً خَاصَّةً. وَإِذْ طُعِّمَتْ هٰذِهِ عَلَىٰ ٱلطَّبِيعَةِ، جَعَلَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ ٱلْمُخْتَارِينَ يُشْرِقُ إِشْرَاقًا خَاصًّا.فَغَلَبَتِ ٱلْقُوَّةُ عِنْدَ ٱلْبَعْضِ، وَٱلْحِكْمَةُ عِنْدَ ٱلْآخَرِينَ، وَٱلْغَيْرَةُ عَلَىٰ مَجْدِ ٱللَّهِ عِنْدَ آخَرِينَ أَيْضًا. وَأَحَدُهُمْ أَشْرَقَ بِنَوْعٍ خَاصٍّ بِٱلْإِيمَانِ، وَآخَرُ بِٱلطَّهَارَةِ. وَلٰكِنْ، سَوَاءٌ كَانُوا رُسُلًا أَمْ شُهَدَاءَ أَمْ أَحْبَارًا، سَوَاءٌ كَانُوا عَذَارَىٰ أَمْ مُعَرِّفِينَ، فَهُنَاكَ قَاسِمٌ مُشْتَرَكٌ يَجْمَعُهُمْ كُلَّهُمْ.مَا هُوَ هٰذَا ٱلْقَاسِمُ؟ ٱلثَّبَاتُ فِي ٱلْبَحْثِ عَنِ ٱللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ. فَأَيًّا كَانَتِ ٱلظُّرُوفُ ٱلَّتِي وَجَدُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا، وَٱلتَّجَارِبُ ٱلَّتِي تَقَاذَفَتْهُمْ، وَٱلصُّعُوبَاتُ ٱلَّتِي وَاجَهُوهَا، وَٱلْإِغْرَاءَاتُ ٱلَّتِي أَحَاطَتْ بِهِمْ، بَقِيَ هٰؤُلَاءِ ٱلْقِدِّيسُونَ جَمِيعُهُمْ ثَابِتِينَ وَأُمَنَاءَ. وَهٰذِهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ، لِأَنَّ عَدَمَ ٱلثَّبَاتِ هُوَ مِنْ أَخْطَرِ ٱلْأَخْطَارِ ٱلَّتِي تُهَدِّدُ ٱلْإِنْسَانَ.بَحَثَ ٱلْقِدِّيسُونَ عَنِ ٱللَّهِ مِنْ دُونِ كَلَلٍ، مَهْمَا كَانَتْ وُعُورَةُ ٱلطَّرِيقِ، وَجَفَافُ ٱلسَّمَاءِ، وَمَهْمَا كَانَتِ ٱلْمَعَارِكُ ٱلَّتِي خَاضُوهَا. لِذٰلِكَ، كَلَّلَهُمُ ٱللَّهُ بِٱلْمَجْدِ، وَأَسْكَرَهُمْ بِٱلْفَرَحِ، يَوْمَ دُخُولِهِمُ ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْأَبَدِيَّ (...). لِأَنَّهُمْ، فِي بَحْثِهِمْ عَنِ ٱلْخَيْرِ ٱلْأَوْحَدِ، لَمْ يَحِيدُوا عَنِ ٱلطَّرِيقِ، فَقَدْ بَلَغَ ٱلْقِدِّيسُونَ ٱلْغَايَةَ ٱلْمَجِيدَةَ.
#شربل سكران بالله