جَاءَتْ أُمُّ يَسُوعَ وَإِخْوَتُهُ، ووَقَفُوا في الخَارِج، وأَرْسَلُوا إِلَيْهِ أُنَاسًا يَدْعُونَهُ،
فقَالُوا لَهُ والجَمْعُ جَالِسٌ حَوْلَهُ: «هَا إِنَّ أُمَّكَ وإِخْوَتَكَ في الخَارِجِ يَطْلُبُونَكَ!».
فأَجَابَهُم قَائِلاً: «مَنْ أُمِّي ومَنْ إِخْوَتي؟».
ثُمَّ أَجَالَ نَظَرَهُ في الجَالِسِينَ حَوْلَهُ وقَال: «هؤُلاءِ هُم أُمِّي وإِخْوَتي!
لأَنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِمَشِيئَةِ ٱللهِ هُوَ أَخي وأُخْتِي وأُمِّي!».
وعَادَ يَسُوعُ يُعَلِّمُ عَلَى شَاطِئِ البُحَيْرَة. وٱحْتَشَدَ لَدَيْهِ جَمْعٌ كَثِير، حَتَّى إِنَّهُ صَعِدَ إِلى السَّفِينَةِ وجَلَسَ فِيها، عَلَى البُحَيْرَة، فيمَا كانَ الجَمْعُ كُلُّهُ عَلَى اليَابِسَة، عِنْدَ الشَّاطِئ.
وكانَ يَسُوعُ يُعَلِّمُهُم بِأَمْثَالٍ كَثِيرَة، ويَقُولُ لَهُم في تَعْلِيمِهِ:
«إِسْمَعُوا: هُوَذَا الزَّارِعُ خَرَجَ لِيَزْرَع.
وفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ وَقَعَ بَعْضُ الحَبِّ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيق، فجَاءَتِ الطُّيُورُ وأَكَلَتْهُ.
ووَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في أَرْضٍ صَخْرِيَّةٍ تُرَابُها قَلِيل، فنَبَتَ في الحَالِ لأَنَّ تُرَابَهُ لَمْ يَكُنْ عَمِيقًا.
ولَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ ٱحْتَرَق، وإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ يَبِسَ.
ووَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ بَيْنَ الشَّوْك، فطَلَعَ الشَّوْكُ وخَنَقَهُ، فَلَمْ يُعْطِ ثَمَرًا.
ووَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الجَيِّدَة، فطَلَعَ ونَمَا وأَثْمَر، فحَمَلَ واحِدٌ ثَلاثِين، وآخَرُ سِتِّين، وآخَرُ مِئَة.»
ثُمَّ قَال: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ سَامِعَتَانِ فَلْيَسْمَع!».
حَوْلَ ٱلْبَتُولِيَّةِ، ٱلْفَصْلُ ٱلْخَامِسُ
عَلَىٰ أُولٰئِكَ ٱلنِّسَاءِ ٱلَّلَاتِي يُكَرِّسْنَ أَنْفُسَهُنَّ كُلِّيًّا لِلرَّبِّ أَلَّا يَأْسَفْنَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْنَ أَنْ يُصْبِحْنَ أُمَّهَاتٍ بِـحَسَبِ ٱلْجَسَدِ، كَوْنَهُنَّ حَافَظْنَ عَلَىٰ بَتُولِيَّتِهِنَّ عَلَىٰ مِثَالِ مَرْيَمَ... ذَاكَ ٱلَّذِي هُوَ ثَمَرَةُ عَذْرَاءَ وَاحِدَةٍ قَدِّيسَةٍ هُوَ مَجْدُ كُلِّ ٱلْعَذَارَىٰ ٱلْبَاقِيَاتِ وَشَرَفُهُنَّ، لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ ٱلْمَسِيحِ إِنْ عَمِلْنَ بِمَشِيئَةِ أَبِيهِ، عَلَىٰ مِثَالِ مَرْيَمَ.تَتَجَلَّىٰ عَظَمَةُ مَرْيَمَ وَفَرَحُهَا كَأُمٍّ لِلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فِي كَلِمَاتِ ٱلرَّبِّ ٱلتَّالِيَةِ: "مَنْ يَعْمَلُ بِمَشِيئَةِ ٱللَّهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي". لَقَدْ أَشَارَ بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ إِلَىٰ ٱلْقَرَابَةِ ٱلرُّوحِيَّةِ ٱلَّتِي تَرْبِطُهُ بِذَاكَ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي ٱفْتَدَاهُ. فَإِنَّ إِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ هُمُ ٱلرِّجَالُ وَٱلنِّسَاءُ ٱلْقِدِّيسُونَ ٱلشُّرَكَاءُ مَعَهُ فِي ٱلْمِيرَاثِ ٱلسَّمَاوِيِّ (رَاجِع رُو ٨: ١٧). إِنَّ أُمَّهُ هِيَ ٱلْـكَنِيسَةُ جَمْعَاءَ، لِأَنَّهَا بِنِعْمَةِ ٱللَّهِ تَلِدُ أَعْضَاءَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَيْ هٰؤُلَاءِ ٱلَّذِينَ هُمْ أُمَنَاءُ لَهُ. أُمُّهُ هِيَ أَيْضًا كُلُّ نَفْسٍ مُقَدَّسَةٍ تُنَفِّذُ مَشِيئَةَ أَبِيهَا، وَٱلَّتِي تُظْهِرُ مَحَبَّتَهَا ٱلْخَصِبَةَ مِنْ خِلَالِ أُولَٰئِكَ ٱلَّذِينَ تَلِدُهُمْ لَهُ "حَتَّىٰ يُصَوَّرَ فِيهِمُ ٱلْمَسِيحُ" (غَل ٤: ١٩)...مِنْ بَيْنِ كُلِّ ٱلنِّسَاءِ، مَرْيَمُ هِيَ ٱلْوَحِيدَةُ ٱلْأُمُّ وَٱلْعَذْرَاءُ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ، لَيْسَ فَقَطْ بِـحَسَبِ ٱلرُّوحِ، إِنَّمَا بِـحَسَبِ ٱلْجَسَدِ أَيْضًا. إِنَّهَا أُمٌّ بِـحَسَبِ ٱلرُّوحِ لِأَعْضَاءِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، أَيْ أُمٌّ لَنَا، لِأَنَّهَا شَارَكَتْ بِوَاسِطَةِ مَحَبَّتِهَا بِوِلَادَةِ ٱلْمُؤْمِنِينَ فِي ٱلْـكَنِيسَةِ، هٰؤُلَاءِ ٱلَّذِينَ هُمْ أَعْضَاءُ مُخَلِّصِنَا ٱلْإِلٰهِيِّ، وَرَأْسُنَا (رَاجِع أَف ٤: ١٥ – ١٦)، ٱلَّتِي هِيَ أُمُّهُ بِـحَسَبِ ٱلْجَسَدِ. فِي ٱلْوَاقِعِ، كَانَ يَجِبُ أَنْ يُولَدَ مُخَلِّصُنَا بِـحَسَبِ ٱلْجَسَدِ مِنْ عَذْرَاءَ، لِكَيْ يُعَلِّمَنَا أَنَّ أَعْضَاءَهُ يَجِبُ أَنْ يُولَدُوا بِـحَسَبِ ٱلرُّوحِ مِنْ عَذْرَاءَ أُخْرَى، وَهِيَ ٱلْـكَنِيسَةُ. إِذًا، وَحْدَهَا مَرْيَمُ هِيَ أُمٌّ وَعَذْرَاءُ فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ بِـحَسَبِ ٱلْجَسَدِ وَبِـحَسَبِ ٱلرُّوحِ. وَلٰكِنَّ ٱلْـكَنِيسَةَ جَمْعَاءَ، فِي ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلَّذِينَ يَجِبُ أَنْ يَرِثُوا مَلَكُوتَ ٱللَّهِ، هِيَ أَيْضًا بِـحَسَبِ ٱلرُّوحِ أُمُّ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَعَذْرَاءُهُ.
#شربل سكران بالله
