قالَ الربُّ يَسوعُ: «هِيَ الآنَ دَيْنُونَةُ هذَا العَالَم. أَلآنَ يُطْرَدُ سُلْطَانُ هذَا العَالَمِ خَارِجًا.
وأَنَا إِذَا رُفِعْتُ عَنِ الأَرض، جَذَبْتُ إِليَّ الجَمِيع».
قَالَ هذَا لِيَدُلَّ عَلى أَيِّ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَهَا.
فَأَجَابَهُ الجَمْع: «نَحْنُ سَمِعْنَا مِنَ التَّوْرَاةِ أَنَّ المَسِيحَ يَبْقَى إِلى الأَبَد. فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّ عَلى ٱبْنِ الإِنْسَانِ أَنْ يُرْفَع؟ مَنْ هُوَ ٱبْنُ الإِنْسَانِ هذَا؟».
قَالَ لَهُم يَسُوع: «أَلنُّورُ بَاقٍ بَيْنَكُم زَمَنًا قَليلاً. سِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّور، لِئَلاَّ يَدْهَمَكُمُ الظَّلام. فَمَنْ يَسيرُ في الظَّلامِ لا يَدْرِي إِلى أَيْنَ يَذْهَب.
آمِنُوا بِٱلنُّور، مَا دَامَ لَكُمُ النُّور، لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّور». قَالَ يَسُوعُ هذَا، ومَضَى مُتَوارِيًا عَنْهُم.
عِظَة
ٱلْمُلَاحَظُ فِي هٰذَا ٱلنَّصِّ مَا قَالَهُ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ! وَكَأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّنَا سَنَبْحَثُ عَمَّا عَنَاهُ بِقَوْلِهِ: "ٱلْيَوْمَ دَيْنُونَةُ هٰذَا ٱلْعَالَمِ"، أَرْدَفَ قَائِلًا: "ٱلْيَوْمَ يُطْرَدُ سَيِّدُ هٰذَا ٱلْعَالَمِ إِلَىٰ ٱلْخَارِجِ". نَعْلَمُ ٱلْآنَ عَنْ أَيَّةِ دَيْنُونَةٍ تَكَلَّمَ: لَيْسَتِ ٱلدَّيْنُونَةَ ٱلَّتِي سَتَحْصُلُ لِلْأَحْيَاءِ وَٱلْمَوْتَىٰ عِندَ ٱنْتِهَاءِ ٱلْعَالَمِ حَيْثُ "تُحْشَرُ لَدَيْهِ جَمِيعُ ٱلْأُمَمِ، فَيَفْصِلُ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ... فَيُقِيمُ ٱلْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَٱلْجِدَاءَ عَنْ شِمَالِهِ" (مَتْ ٢٥: ٣٣)، إِنَّمَا هِيَ ٱلدَّيْنُونَةُ ٱلَّتِي بِهَا سَوْفَ "يُطْرَدُ سَيِّدُ هٰذَا ٱلْعَالَمِ إِلَىٰ ٱلْخَارِجِ". كَيْفَ كَانَ إِذًا هٰذَا ٱلسَّيِّدُ فِي ٱلدَّاخِلِ وَأَيْنَ هُوَ ٱلْخَارِجُ ٱلَّذِي سَيُطْرَدُ إِلَيْهِ؟ هَلْ كَانَ فِعْلًا فِي ٱلْعَالَمِ وَهَلْ طُرِدَ إِلَىٰ خَارِجِ ٱلْعَالَمِ؟لِأَنَّهُ قَالَ: "ٱلْيَوْمَ دَيْنُونَةُ هٰذَا ٱلْعَالَمِ"، وَشَرَحَ مُتَابِعًا: "ٱلْيَوْمَ يُطْرَدُ سَيِّدُ هٰذَا ٱلْعَالَمِ إِلَىٰ ٱلْخَارِجِ". يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ كَلَامَهُ مَقْصُودٌ بِهِ مَا يَحْصُلُ ٱلْآنَ وَلَيْسَ مَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِيرِ. لَقَدْ تَنَبَّأَ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ إِذًا بِمَا كَانَ يَعْرِفُهُ: بَعْدَ آلَامِهِ وَتَمْجِيدِهِ، سَوْفَ يُؤْمِنَ أُنَاسٌ كُثُرٌ فِي ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ بِأَنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ مَوْجُودًا فِي دَاخِلِ قُلُوبِهِمْ وَإِنَّهُ قَدْ طُرِدَ خَارِجًا عِنْدَمَا كَفَرُوا بِهِ بِفَضْلِ إِيمَانِهِمْ.سُؤَالٌ آخَرُ يَطْرَحُ نَفْسَهُ: بِمَا أَنَّ ٱلشَّيْطَانَ سَوْفَ يُطْرَدُ مِنْ قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ، أَلَنْ يَعُودَ ثَانِيَةً لِتَجْرِبَةِ أَيِّ مُؤْمِنٍ؟ ٱلْعَكْسُ هُوَ ٱلصَّحِيحُ، إِذْ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَنْ يَكُفَّ عَنِ ٱلتَّجْرِبَةِ، وَلَٰكِنْ هُنَاكَ فَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا فِي ٱلدَّاخِلِ وَأَنْ يُهَاجِمَ مِنَ ٱلْخَارِجِ، لِأَنَّ ٱلْعَدُوَّ يُمْكِنُهُ مَرَّاتٍ أَنْ يُحَاصِرَ مَدِينَةً مُحَصَّنَةً جَيِّدًا، وَلَٰكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ ٱحْتِلَالَهَا. وَإِذَا ٱسْتَطَاعَ أَحَدُ جُنُودِهِ أَنْ يَصِلَ إِلَىٰ هَدَفِهِ بِٱخْتِرَاقِ إِحْدَى ٱلتَّحْصِينَاتِ، فَإِنَّ ٱلرَّسُولَ بُولُسَ عَلَّمَنَا كَيْفَ أَنَّ ٱلْعَدُوَّ لَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يُحْدِثَ ضَرَرًا عِنْدَمَا ذَكَّرَنَا بِأَنَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ "صَاحِينَ، لَابِسِينَ دِرْعَ ٱلْإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ وَخُوذَةَ رَجَاءِ ٱلْخَلَاصِ" (اتس ٥: ٨؛ أَف ٦: ١٦). وَإِذَا حَدَثَ أَنْ أُصِبْنَا بِجُرْحٍ مَا، فَإِنَّ ٱلشَّافِي مَوْجُودٌ كَمَا كَتَبَ يُوحَنَّا فِي رِسَالَتِهِ ٱلْأُولَىٰ إِلَى ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱلشَّيْطَانَ: "يَا بَنِيَّ، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ بِهٰذَا لِئَلَّا تُخْطَئُوا"، وَأَضَافَ بَعْدَهَا لِلَّذِينَ أَصَابَهُمْ جُرْحٌ: "وَإِنْ خَطِئَ أَحَدٌ فَهُنَاكَ شَفِيعٌ لَنَا عِندَ ٱلْآبِ وَهُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْبَارّ" (١يو ٢: ١).مَهْمَا كَانَتْ عَظَمَةُ ٱلْأَدَوَاتِ ٱلَّتِي يَسْتَخْدِمُهَا ٱلشَّيْطَانُ ضِدَّنَا، طَالَمَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَلْبَنَا ٱلَّذِي يَمْلَؤُهُ ٱلْإِيمَانُ، فَإِنَّهُ قَدْ طُرِحَ خَارِجًا. وَلٰكِنْ "إِنْ لَمْ يَحْرُسِ ٱلرَّبُّ ٱلْمَدِينَةَ فَبَاطِلًا يَسْهَرُ ٱلْحَارِسُونَ" (مز ١٢٧[١٢٦]: ١). لَا تَتَّكِلُوا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ إِذًا إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَبْقَى ٱلشَّيْطَانُ مَطْرُوحًا فِي ٱلْخَارِجِ.
#شربل سكران بالله
