03 Jun
03Jun


إنجيل القدّيس يوحنّا 43-37:12

صَنَعَ يَسُوعُ أَمَامَ اليَهُودِ تِلْكَ الآيَاتِ كُلَّهَا، فَمَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ،
لِتَتِمَّ الكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا آشَعْيَا النَّبِيّ: «يَا رَبُّ، مَنْ آمَنَ بِمَا سَمِعَ مِنَّا؟ ولِمَنْ أُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبّ؟».
لِهذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا لأَنَّ آشَعْيَا قَالَ أَيْضًا:
«لَقَدْ أَعْمَى عُيُونَهُم، وقَسَّى قُلُوبَهُم، لِئَلاَّ يَرَوا بِعُيُونِهِم، ويَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِم، ويَتُوبُوا فَأَشْفِيَهُم».
قَالَ آشَعْيَا هذَا، لأَنَّهُ رَأَى مَجْدَ يَسُوعَ وتَحَدَّثَ عَنْهُ.
غَيرَ أَنَّ كَثيرينَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَنْفُسِهِم آمَنُوا بِهِ، ولكِنَّهُم بِسَبَبِ الفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَجْهَرُوا بِإِيْمَانِهِم، لِئَلاَّ يُفْصَلُوا عَنِ المَجْمَع.
فَقَدْ فَضَّلُوا مَجْدَ النَّاسِ عَلى مَجْدِ الله.

القدّيس أوغسطينُس (354 - 430)، أسقف هيبّونا (إفريقيا الشماليّة) وملفان الكنيسة

عِظاتٌ حَوْلَ إِنجِيلِ ٱلْقِدِّيسِ يُوحَنَّا

«ٱلْآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ ٱلَّذِي أَوْصَانِي بِمَا أَقُولُ وَأَتَكَلَّم»

"أَنا أَعْلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ" (يو ١٢: ٥٠). بِٱلنَّتِيجَةِ، إِنْ كَانَ ٱلِٱبْنُ نَفْسُهُ هُوَ "ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ" (١يو ٥: ٢٠)، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةُ ٱلْآبِ هِيَ ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ، مَا كَانَ يَعْنِي ٱلَّذِي قِيلَ غَيْرَ: "أَنا وَصِيَّةُ ٱلْآبِ"؟ لِذٰلِكَ، حِينَ تَابَعَ ٱلرَّبُّ قَائِلًا: "ٱلْكَلامُ ٱلَّذِي قُلْتُهُ، ٱلْآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ ٱلَّذِي أَوْصَانِي بِمَا أَقُولُ وَأَتَكَلَّم" (يو ١٢: ٤٨ – ٤٩)، فَلَا نَفْهَمَنَّ ٱلْكَلِمَاتِ: "ٱلْآبُ هُوَ ٱلَّذِي أَوْصَانِي بِمَا أَقُولُ وَأَتَكَلَّم" كَأَنَّ ٱلْآبَ قَدْ قَالَ كَلَامًا لِلْكَلِمَةِ ٱلْوَحِيدِ، أَوْ كَأَنَّ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَىٰ كَلَامِ ٱللّٰهِ. ٱلْآبُ قَدْ قَالَ إِذًا لِلِٱبْنِ، كَمَا أَعْطَى ٱلْحَيَاةَ لِلِٱبْنِ، لَيْسَ بِمَنْحِهِ مَا لَا يُدْرَكُهُ أَوْ مَا لَيْسَ لَدَيْهِ، إِنَّمَا بِمَنْحِهِ أَنْ يَكُونَ ٱلِٱبْنَ نَفْسَهُ.لٰكِنْ، مَاذَا يَعْنِي: "ٱلْآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ ٱلَّذِي أَوْصَانِي بِمَا أَقُولُ" غَيْرَ "إِنِّي أَقُولُ ٱلْحَقِيقَةَ"؟ هٰكَذَا، كَانَ كَلَامُ ٱلْآبِ لِكَوْنِهِ ٱلْحَقِيقِيَّ، وَأَتَىٰ كَلَامُ ٱلِٱبْنِ لِكَوْنِهِ ٱلْحَقَّ. فَٱلْحَقِيقِيُّ وَلَدَ ٱلْحَقَّ. مَا يُمْكِنُهُ إِذًا قَوْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ لِلْحَقِّ؟ لِأَنَّ ٱلْحَقَّ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا ٱلْبَتَّةَ لِكَيْ يُضِيفَ هُوَ إِلَيْهِ بَعْضَ ٱلْحَقِّ. بِٱلنَّتِيجَةِ، تَكَلَّمَ إِلَىٰ ٱلْحَقِّ لِأَنَّهُ وَلَّدَ ٱلْحَقَّ. وَٱلْحَالُ هٰذِهِ، فَإِنَّمَا ٱلْحَقُّ نَفْسُهُ تَكَلَّمَ كَمَا قَالَ ٱلْآبُ، وَكَمَا وُلِدَ، لِلَّذِينَ يَفْهَمُونَ، وَلِأُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُعَلِّمُهُمْ.وَلٰكِنْ، كَيْ يُؤْمِنَ ٱلنَّاسُ، بِمَا لَا يَقْدِرُونَ أَيْضًا ٱسْتِيعَابَهُ، فَقَدْ أَسْمَعَ ٱلْفَمُ ٱلْبَشَرِيُّ أَصْوَاتًا غَابَتْ هِيَ بِدَوْرِهَا. هٰذِهِ ٱلْأَصْوَاتُ، وَفِي خِلَالِ مَسِيرَتِهَا، أَحْدَثَتْ ضَجِيجًا فِي ٱلْوَقْتِ ٱلْقَصِيرِ ٱلَّذِي مُنِحَ لَهَا، بَيْدَ أَنَّ ٱلْحَقَائِقَ نَفْسَهَا، وَٱلَّتِي كَانَتِ ٱلْأَصْوَاتُ عَلَامَاتٍ لَهَا، مَرَّتْ بِطَرِيقَةٍ مَا إِلَىٰ ذَاكِرَةِ ٱلَّذِينَ سَمِعُوهَا، وَبَلَغَتْ أَيْضًا إِلَيْنَا بِفَضْلِ ٱلْأَحْرُفِ ٱلَّتِي هِيَ عَلَامَاتٌ مَنْظُورَةٌ. لَيْسَتْ هٰذِهِ ٱلطَّرِيقَةُ ٱلَّتِي يَتَكَلَّمُ ٱلْحَقُّ بِهَا: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ إِلَىٰ دَاخِلِ ٱلنَّاسِ وَإِلَىٰ ٱلنُّفُوسِ ٱلَّتِي تَفْهَمُ، يُعَلِّمُ بِدُونِ ضَجِيجٍ، يَدْخُلُ دُخُولَ نُورٍ مُدْرَكٍ بِٱلْعَقْلِ لَا بِٱلْحَوَاسِّ.إِذًا، مَنْ يَبْغِ أَنْ يَرَىٰ فِيهِ أَزَلِيَّةَ وِلَادَتِهِ، فَلْيَسْمَعْهُ يَتَكَلَّمُ كَمَا قَالَ ٱلْآبُ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ. لَقَدِ ٱسْتَنْهَضَ ٱلْكَلِمَةُ ٱلْأَزَلِيُّ فِينَا رَغْبَةً كَبِيرَةً فِي رِقَّتِهِ ٱلدَّاخِلِيَّةِ، لَٰكِنْ نَحْنُ نُدْرِكُ حِينَ نَكْبُرُ، وَنَحْنُ نَكْبُرُ حِينَ نَسِيرُ، وَنَحْنُ نَسِيرُ حِينَ نَتَقَدَّمُ كَيْمَا نَسْتَطِيعَ بُلُوغَ ٱلنِّهَايَةِ.



#شربل سكران بالله

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.