إنجيل القدّيس مرقس 1:9.38-34:8
دعَا يَسُوعُ الجَمْعَ وتَلامِيذَهُ، وقَالَ لَهُم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَنِي فَلْيَكْفُرْ بِنَفْسِهِ ويَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي،
لأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يَفْقِدُها، ومَنْ فَقَدَ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ يُخَلِّصُها.
فمَاذَا يَنْفَعُ الإِنْسَانَ لَو رَبِحَ العَالَمَ كُلَّهُ وخَسِرَ نَفْسَهُ؟
ومَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ بَدَلاً عَنْ نَفْسِهِ؟
مَنْ يَسْتَحِي بِي وَبِكلامِي، في هذَا الجِيلِ الزَّانِي الخَاطِئ، يَسْتَحِي بِهِ ٱبْنُ الإِنْسَانِ عِنْدَمَا يَأْتِي في مَجْدِ أَبْيهِ مَعَ مَلائِكَتِهِ القِدِّيسِين».
وقالَ لَهُم يَسُوع: «أَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّ بَعْضًا مِنَ القَائِمِينَ هُنا لَنْ يَذُوقُوا المَوْت، حَتَّى يَرَوا مَلَكُوتَ اللهِ وقَدْ أَتَى بِقُوَّة».
بِندِكتُس السادس عشر، بابا روما من 2005 إلى 2013
الرّسالة العامّة "الله محبّة" (Deus caritas est)، الأعداد 5 و 6
«لِأَنَّ ٱلَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَهُ، يَفقِدُها. وَأَمّا ٱلَّذي يَفقِدُ حَياتَهُ في سَبيلي، فَإِنَّهُ يَجِدُها»
إنّ طريقة إبراز أهميّة الجسد التّي نشاهدها في أيّامنا هذه هي طريقةٌ خادعة... ففي الواقع، لا تشكّل هذه الطريقة الـ "نَعَم" السامية من الإنسان لجسده. لا بل على العكس من ذلك، فالإنسان صارَ الآن يَعتبرُ الجسد والجنس كالجزء المادي فقط من ذاته، ذاك الجزء الذي يُستَعمل ويُستَغلّ عند الرغبة... غير أنّ الإيمان المسيحي يعتبر دائمًا أن الإنسانَ هو كائنٌ وصراع بين المادة والرّوح بحيث يختبر الاثنان كرامة جديدة. صحيح أنّ الرّغبة البشريّة تريد بأن ترفعنا "من خلال النشوة" نحو الله، وتسييرنا نحو ما هو أبعد من أنفسنا، لكن لهذا السبب بالذات، يتطلّب منّا مسيرة ترويض، وتخلّي، وتنقية وشفاء.
بشكل عمليّ، ماذا يتطلّب طريقُ الترويض والتنقية هذا؟ كيف على الحبّ أن يُعاش كيما يُحقّق بالكامل وعده الإنساني والإلهي؟ لقد أصبحت كلمة "أغابيه agapè" التعبيرَ المثاليَّ لفكرةِ الكتاب المقدّس عن الحبّ. بعكس الحبّ غير المُحدّد، والمتّسم بالبحث، تُظهرُ هذه الكلمة تجربةَ الحبّ التي تُصبِحُ اكتشافًا حقيقيًّا للآخر... وهكذا يُصبحُ الحبُّ اهتمامًا بالآخر ولأجل الآخر. هو لا يبحث عن منفعتهِ الشخصيّة وعن الغَرَق في نشوة السعادة؛ بل يَطلب خيرَ المحبوب: يتحوّل إلى تخلٍّ وهو حاضرٌ، لا بل حتّى راغبٌ في التضحية.
نعم، إنّ الحبّ هو "نشوة"، لكن ليس بمعنى لحظة من اللذّة، لكنّها نشوةُ مسيرة، نزوح مستمرّ خارج الذات المنعزلة والمُنغلقة نحو حريّة بذل النفس، وهكذا نحو اكتشاف الذات الأصيل، لا بل اكتشاف الله إذ قد قال الرّب يسوع: "مَن أَرادَ أَن يَحفَظَ حيَاتَه يَفقِدُها، ومَن فقدَ حيَاتَه يُخَلِّصُها" (لو 17: 33) وقد ورد قوله هذا في عدّة مقاطع من الإنجيل (راجع مت 10: 39؛ 16: 25؛ مر8: 35؛ لو 9: 24؛ يو 12: 25). بهذه الكلمات، وصف الرّب يسوع طريقه الخاص، الذي يَقودُ إلى القيامة من خلال الصليب: طريق حبّة الحنطة التي تسقطُ في الأرض وتموتُ، وبهذه الطريقة تحْملُ ثمرًا كثيرًا. كما أنّه بوصفهِ أعمقَ لحظات تضحيتِه الشخصيّة والحبِّ الذي بها يصلُ إلى كماله، وصف الرّب يسوع بهذه الكلمات، جوهر الحبّ لا بل جوهر الوجود الإنساني نفسه.
#شربل سكران بالله