26 May
26May


رمز عشيّة الفصح – ليلة المعموديّة – الثاني هو الماء. يظهر الماء في الكتاب المقدّس، وبالتالي في الهيكليّة الداخليّة لسرّ المعموديّة في معنيين متعارضين. هناك من ناحية البحر الذي يظهر كالسلطان المعادي للحياة على الأرض، كالتهديد المستمرّ الذي وضع الله له حدًّا. لهذا السبب، قال سفر الرؤيا إنّ البحر لن يكون موجودًا في عالم الله الجديد (راجع رؤ 21: 1). إنّه عنصر الموت. وبهذا الشكل، يضحي تمثيلاً رمزيًّا لموت الرّب يسوع المسيح على الصليب: لقد نزل الرّب يسوع في البحر، في مياه الموت مثل إسرائيل في البحر الأحمر. بقيامته من الموت، وهب الحياة. هذا يعني أنّ المعموديّة ليست فقط غسلاً، بل ولادة جديدة: وكأنّنا ننزل مع الرّب يسوع في بحر الموت، لكي نصعد منه خلائق جديدة.


 الطريقة الثانية التي نلتقي فيها بالماء هي كنبع منعش، يهب الحياة؛ أو أيضًا كنهر عظيم تتدفّق منه الحياة. بحسب تنظيم الكنيسة الأوّلي، كان يجب منح المعموديّة في نبع مياه عذب. بدون الماء ما من حياة. من هنا نفهم أهمية الآبار في الكتاب المقدّس. إنّها أماكن تنبع منها الحياة.

 بالقرب من بئر يعقوب، أعلن الرّب يسوع للسامريّة البئر الجديد، ماء الحياة الحقة. ظهر لها كيعقوب الجديد والنهائي، الذي يفتح للبشريّة البئر الذي تنتظره: تلك الماء التي تهب الحياة والتي لا تنضب أبدًا (راجع يو 4: 5–15).

 أخبرنا القدّيس يوحنّا بأن جنديًّا طعن جنب الرّب يسوع بحربة ومن جنبه المفتوح – من قلبه المطعون – خرج دم وماء (راجع يو 19: 34). 

الكنيسة القديمة رأت في هذا رمز المعموديّة والإفخارستيا اللتين تنبثقان من قلب الرّب يسوع المطعون. في موته، صار الرّب يسوع بالذات المنهل. لقد رأى النبيّ حزقيال في رؤيا الهيكل الجديد الذي يتدفقّ منه نبع يضحي نهرًا عظيمًا يهب الحياة (راجع حز 47: 1–12) – في أرض كانت تعاني الجفاف ونقص الماء، كانت هذه رؤيا رجاء عظيم. 

لقد فهمت المسيحيّة الأولى هذا: هذه الرؤيا تحقّقت في الرّب يسوع المسيح. هو هيكل الله الحقّ والحيّ. وهو نبع الماء الحيّ. منه ينبع نهر عظيم يعطي ثمره في المعموديّة ويجدّد العالم؛ النهر العظيم الذي يضجّ بالماء الحيّ، هو إنجيله الذي يخصب الأرض.

 ولكن في خطاب خلال عيد المظال، تنبّأ الرّب يسوع عن أمر أعظم من هذا: "مَن يؤمن بي... تجري من أحشائه أنهار ماء حيّ" (يو 7: 38). في المعموديّة، لا يجعلنا الربّ أبناء للنور فحسب، بل أيضًا ينابيع يفيض منها الماء الحيّ. جميعنا نعرف أشخاصًا من هذا النوع يجعلوننا بشكل ما نتجدّد وننتعش؛ أشخاصًا هم مثل منبع ماء منعش. 

يجب ألاّ نفكّر بالضرورة في العظام مثل أوغسطينُس، أو فرنسيس الأسيزي، أو تيريزيا الآبِليّة، أو الأم تيريزيا الكالكوتيّة أو غيرهم، وهم أشخاص تدفّقت حقًّا أنهار ماء حيّ في التاريخ.

 الحمد لله، نجد أشخاصًا من هذا النوع بشكل مستمرّ في حياتنا اليوميّة: أشخاصًا هم مثل نبع. بالطبع، نعرف أيضًا نقيض ذلك: أشخاصًا ينضحون بجوّ يشبه مستنقع ماء عفن، لا بل مسمّم. نطلب إلى الربّ، الذي منحنا نعمة المعموديّة، أن يمكّننا من أن نكون ينابيع ماءٍ صافٍ، وعذب، وفيّاض من نبع حقّه وحبّه!




#Saintcharbel22 

#شربل سكران بألله 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.