أحد بشارة العذراء
وفي الشَّهْرِ السَّادِس (بعد بشارة زكريّا)، أُرْسِلَ المَلاكُ جِبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِلى مَدِينَةٍ في الجَلِيلِ ٱسْمُهَا النَّاصِرَة،
إِلى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاودَ ٱسْمُهُ يُوسُف، وٱسْمُ العَذْرَاءِ مَرْيَم.
ولَمَّا دَخَلَ المَلاكُ إِلَيْهَا قَال: «أَلسَّلامُ عَلَيْكِ، يَا مَمْلُوءَةً نِعْمَة، أَلرَّبُّ مَعَكِ!».
فَٱضْطَربَتْ مَرْيَمُ لِكَلامِهِ، وأَخَذَتْ تُفَكِّرُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا السَّلام!
فقَالَ لَهَا المَلاك: «لا تَخَافِي، يَا مَرْيَم، لأَنَّكِ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ الله.
وهَا أَنْتِ تَحْمِلينَ، وتَلِدِينَ ٱبْنًا، وتُسَمِّينَهُ يَسُوع.
وهُوَ يَكُونُ عَظِيمًا، وٱبْنَ العَليِّ يُدْعَى، ويُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيه،
فَيَمْلِكُ عَلى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلى الأَبَد، ولا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَة!».
فَقالَتْ مَرْيَمُ لِلمَلاك: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا، وأَنَا لا أَعْرِفُ رَجُلاً؟».
فأَجَابَ المَلاكُ وقالَ لَهَا: «أَلرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُدْرَةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، ولِذلِكَ فٱلقُدُّوسُ ٱلمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱلله!
وهَا إِنَّ إِلِيصَابَاتَ نَسِيبَتَكِ، قَدْ حَمَلَتْ هيَ أَيْضًا بٱبْنٍ في شَيْخُوخَتِها. وهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الَّتي تُدْعَى عَاقِرًا،
لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ٱللهِ أَمْرٌ مُسْتَحِيل!».
فقَالَتْ مَرْيَم: «هَا أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ!». وٱنْصَرَفَ مِنْ عِنْدِها المَلاك.
العظة 59، الثالثة عن البشارة
لقد أرسل الآب إلينا في هذه الأيّام، يوسف الحقيقي لكي "يفتَقِدْ سَلامةَ إِخَوَتِه وسَلامةَ الغَنَم" (تك 37: 14). ومما لا شكّ فيه أن يوسف هذا هو الذي كان "أَباه يُحِبُّه على جَميعِ إِخْوَتِه" (تك 37: 3)... ها هو، المحبوب أكثر من الجميع، والأكثر حكمة من الجميع، والأكثر روعة من الجميع، هذا من أرسله الآب اليوم... لقد قال الله الآب: "مَن أُرسِل، ومَن يَنطَلِقُ لنا؟" (إش 6: 8) وها هو الابن يجيب، "هاءنَذا أَنشُدُ خِرافي وأَفتَقِدُها أَنا" (حز 34: 11). ونزل من الأعالي وانحدر نحو "وادي حَبْرون" (تك 37: 14).ها إن آدم قد تسلّق جبل الكبرياء، وإذا بابن الله ينزل إلى وادي التواضع. وهو يجد اليوم أيضاً وادياً ينزل إليه لكن أين هو؟ هذا الوادي ليس فيك، يا حواء، يا أم بؤسنا، ليس فيك... ولكن في مريم العذراء المباركة. هي حقًا وادي حبرون بسبب تواضعها وأيضًا بسبب قوتها... إنها قوية لأنها تشارك في قوة من قيل عنه أنّه "الرَّبُّ العَزيزُ الجبَار" (مز 24[23]: 8). هي المرأة الفاضلة التي يتوق اليها سليمان، "مَن يَجِدُ المَرأَةَ الفاضِلة؟" (أم 31: 10) ...وحوّاء، على الرغم من أنها خلقت في الفردوس، لا تعرف الفساد، ولا الضعف ولا الألم، أظهرت أنها ضعيفة جدًا، عاجزة جدًا. " مَن يَجِدُ المَرأَةَ الفاضِلة؟" فهل نجد في البؤس هنا أدناه ما لم نعثر عليه في السعادة هناك؟ هل نجد المرأة الفاضلة هنا في وادي الدموع هذا، في حين لم نعثر عليها في نعيم الجنة؟ لقد عثرنا عليها، اليوم، نعم اليوم. إن الله الآب وجد هذه المرأة ليقدّسها، والابن وجدها لينزل فيها، والرُّوح القدس وجدها ليزّينها بالأنوار... ووجدها الملاك فسلّم عليها قائلاً: "افَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ". ها هي، المرأة الفاضلة. ففي هذه المرأة الفاضلة، تتواجه الجدّية والتواضع والعذرية مع الفضول، والغرور، والشهوة. وقد كُتب أن الملاك دخل إليها. فهي لم تكن متلّفتة نحو العالم الخارجي، لم تكن في الخارج. بل كانت في الداخل، في حجرتها تصلّي إلى أبيها في الخفية (راجع مت 6: 6).
#شربل سكران بالله